سورة النساء - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)}
{لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ} الآية: سببها أن بعض العرب كانوا لا يورثون النساء، فنزلت الآية ليرث الرجال النساء {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} منصوبٌ انتصابَ المصدر المؤكد لقوله: فريضة من الله، وقال الزمخشري: منصوب على التخصيص، أعني: بمعنى نصيباً.


{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}
{وَإِذَا حَضَرَ القسمة} الآية: خطاب للوارثين؛ أمروا أن يتصدقوا من الميراث على قرابتهم، وعلى اليتامى وعلى المساكين، فقيل: إن ذلك على الوجوب، وقيل: على الندب وهو الصحيح، وقيل: نسخ بآية المواريث {وَلْيَخْشَ الذين} الآية؛ معناها: الأمر للأولياء اليتامى أن يحسنوا إليهم في حفظ أموالهم، فيخافوا الله على أيتامهم كخوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافاً، ويقدروا ذلك في أنفسهم حتى لا يفعلوا خلاف الشفقة والرحمة، وقيل: الذي يجلسون إلى المريض فيأمروه أن يتصدّق بماله حتى يجحف بورثته، فأمروا ان يخشوا على الورثة كما يخشوا على أولادهم، وحذف مفعول وليخش، وخافوا جواب لو {قَوْلاً سَدِيداً} على القول الأول ملاطفة الوصي لليتيم بالكلام الحسن، وعلى القول الثاني أن يقول للمورث: لا تسرف في وصيتك وأرفق بورثتك {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً} قيل نزلت في الذين لا يورثون الإناث، وقيل: في الأوصياء، ولفظها عام في كل من أكل مال اليتيم بغير حق {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} أي: أكلهم لمال اليتامى يؤول إلى دخولهم النار، وقيل: يأكلون النار في جهنم.


{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}
{يُوصِيكُمُ الله في أولادكم} هذه الآية نزلت بسبب بنات سعد بن الربيع وقيل: بسبب جابر بن عبد الله، إذا عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، ورفعت ما كان في الجاهلية من توريث النساء والأطفال، وقيل: نُسخت الوصية للوالدين والأقربين وإنما قال: {يُوصِيكُمُ} بلفظ الفعل الدائم لو لم يقل أوصاكم تنبيها على ما مضى والشروع في حكم آخر وإنما قال يوصيكم الله بالاسم الظاهر، ولم يقل: يوصيكم لأنه أراد تعظيم الوصية، فجاء بالاسم الذي هو أعظم الأسماء وإنما قال: في أولادكم ولم يقل في أبنائكم، لأن الابن يقع على الابن من الرضاعة، وعلى ابن البنت، وعلى ابن الابن المتوفى وليسوا من الورثة {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} هذا بيان للوصية المذكورة، فإن قيل: هلا قال: للأنثيين مثل حظ الذكر، فالجواب: لأن الذكر مقدم {فَإِن كُنَّ نِسَآءً} إنما أنث ضمير الجماعة في كن، لأنه قصد الإناث، وأصله أنيعود على الأولاد لأنه يشمل الذكور والإناث، وقيل: يعود على المتروكات، وأجاز الزمخشري أن تكون كان تامة والضمير مبهم ونساء تفسير {فَوْقَ اثنتين} ظاهرة أكثر من اثنتين، ولذلك أجمع على أن للثلاث فما فوقهن الثلثان بالسنة لا بالقرآن وقيل: بالقياس على الأختين {وَإِن كَانَتْ واحدة} بالرفع فاعل، وكان تامة، وبالنصب خبر كان، وقوله تعالى: {فَلَهَا النصف} نصٌ على أن للبنت النصف إذا انفردت، ودليل على ان للابن جميع المال إذا انفرد؛ لأن {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} {إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} الولد يقع على الذكر والأنثى، والواحد والاثنين والجماعة سواء كان للصلب، أو ولد ابن، وكلهم يرد الأبوين إلى السدس {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث} لم يجعل الله للأم الثلث إلاّ بشرطين أحدهما عدم الولد والآخر إحاطة الأبوين بالميراث ولذلك دخلت الواو لعطف أحد الشرطين على الآخر، وسكت عن حظ الأب استغناء بمفهومه، لأنه لا يبقى بعد الثلث إلاّ الثلثان ولا وارث إلاّ الأبوان، فاقتضى ذلك أن الأب يأخذ بقية المال وهو الثلثان {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس} أجمع العلماء على ان ثلاثة من الأخوة يردّون الأم إلى السدس، واختلفوا في الاثنين فذهب الجمهور أنهما يردّانها إلى السدس، ومذهب ابن عباس أنهما لا يردّانها إليه، بل هما كالأخ الواحد. وحجته أن لفظ الإخوة لا يقع على الاثنين لأنه جمع لا تثنية، وأقل الجمع ثلاثة. وقال غيره: إن لفظ الجمع قد يقع على الاثنين. كقوله: وكنا لحكمهم شاهدين، وتسوروا المحراب، وأطراف النهار، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الاثنان فما فوقهما جماعة» وقال مالك: مضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعداً، ومذهبه أن أقل الجمع اثنان، فعلى هذا: يُحجب الأبوان من الثلث إلى السدس، فإن كان معهما أب ورث بقية المال، ولم يكن للإخوة شيء عند الجمهور، فهم يحجبون الأم، ولا يرثون، وقال قوم: يأخذون السدس الذي حجبوه عن الأم، وإن لم يكن أب وُرِّثوا {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} قوله: من بعد يتعلق بالاستقرار المضمر في قوله: فلهنّ ثلثا ما ترك، أي: استقر لهنّ الثلثان من بعد وصية، ويمتنع أن يتعلق بترك، وفاعل يوصي الميت، وإنما قدمت الوصية على الدين، والديَّن مقدم عليها في الشريعة: اهتماماً بها، وتأكيداً للأمر بها، ولئلا يُتهاون بها وأخَّر الدين؛ لأن صاحبه يتقاضاه، فلا يحتاج إلى تأكيد في الأمر بإخراجه وتخرج الوصية من الثلث، والدّين من رأس المال بعد الكفن؛ وإنما ذكر الوصية والدين نكرتين: ليدل على أنهما قد يكونان، وقد لا يكونان فدل ذلك على وجوب الوصية {أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} قيل: بالإنفاق إذا احتيج إليه، وقيل: بالشفاعة في الآخرة، ويحتمل أن يريد نفعاً بالميراث من ماله، وهو أليق بسياق الكلام.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8